حكايات كروية || جزيرة الفوكلاند .. الشرارة التي أشعلت الأزمة بين شعبي الأرجنتين والإنجليز


في عام 1833 طردت فرقة مدفعية بريطانية القوات الأرجنتينية المسيطرة على جزيرة الفوكلاند ( أو مالفيناس) كما تسمى باللاتينية وأعلنت خضوع الجزيرة للتاج الملكي.


هذه الحرب كانت بداية الشرارة التي أشعلت الأزمة بين شعبي الأرجنتين والإنجليز، حتى وصل الأمر لكرة القدم، فأدعى الإنجليز أنهم من علموا الأرجنتنيون فنون كرة القدم وكانوا سببًا في دخول هذه الرياضة البلاد.


ويعود هذا  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين تواجد أكثر من 10 آلاف مهاجر بريطاني في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ولعبت أول مباراة كرة قدم رسمية في 20 يونيو 1867 في ستاد بوينس آيرس للكريكيت بين فريقين من عمال سكك الحديد البريطانيين الذين كانوا يقومون بتأميم السكك الحديديه في البلاد ، وارتدى الفريقان قبعات بيضاء و حمراء بدلاً من القمصان لتمييز اللاعبين.


في عام 1953 لُعبت مباراة ودية بين الطرفين في بوينس آيرس وانتهت المباراة  بفوز الأرجنتين بنتيجة 3-1.


حينها قال أحد السياسيين الأرجنتيين: 


"قُمنا بتأميم السكك الحديدية، الآن أستطيع القول بأننا قمنا بتأميم كرة القدم!".


بداية العداوة الحقيقية كانت في كأس العالم 1966 حين استضافت إنجلترا كأس العالم ، وفي الدور ربع النهائي أصطدم أصحاب الأرض بالأرجنتين في لقاء أطلقت عليه الصحف الأرجنتينية أسم "سرقة القرن" بعد إقصاء منتخب الأرجنتين بهدف يتيم سجله جيوف هورست.


أثار احتساب الهدف غضب لاعبي الأرجنتين الذين اعتبروا أن جيوف هورست كان في موقف تسلل، وشهد اللقاء إحدى أغرب الحوادث في تاريخ كاس العالم وكانت سبباً في اختراع البطاقات الملونة، فبعد تلقيه إنذاراً لتدخله ضد بوبي تشارلتون، طرد قائد منتخب الأرجنتين أنتونيو راتين بعد تلقيه الإنذار الثاني لارتكابه مخالفة ضد جيوف هورست ودخوله في مشادة مع الحكم ، رفض راتين مغادرة الملعب، واضطر الحكم للاستعانة بالشرطة لإخراجه، وذكر لاحقاً أن الحكم طرده  لأنه لم يعجب بنظراته إليه، في حين قالت الصحف البريطانية أنه طرد بسب "العنف اللفظي وشتم الحكم" مع أن الحكم الألماني رودولف كريتلين لا يتكلم الإسبانية ولا يفهمها. 


هنا أتهم الأرجنتينيون الحكم لاحقاً بالتحيز للإنجليز مع أن اللاعب راتين أظهر له شارة القيادة، و رغبته باستدعاء مترجم.


غادر راتين الملعب، وأقتلع سارية الضربة الركنية التي لون علمها على شاكلة علم المملكة المتحدة قبل خروجه من الملعب ورماها على الأرض .


منع مدرب إنجلترا أولف رامزي لاعبيه من تبادل القمصان مع لاعبي الأرجنتين الذين وصفهم بـ"الحيوانات" مما أثار غضب الصحافة الأرجنتينية التي تحدثت عن ضرب أحد مسؤولي الاتحاد الإنجليزي لمشجعة أرجنتينية حامل على بطنها وأنهم هم الحيوانات وانا الحكم لعب بقميص إنجلترا.


وفي 1982، قامت الحرب المعروفة في التاريخ باسم "حرب الفوكلاند" بين القوات البريطانية والأرجنتينية استمرت بين أبريل إلى يونيو وانتهت في الأخير بخسارة القوات الأرجنتينة واستمرار هيمنة الإنجليز على الجزيرة.


وفي نفس العام جاء مونديال إسبانيا 82 الأقوى في التاريخ .. 

 

في عام الحرب ذاتها، نظمت إسبانيا كأس العالم 82، وحاولت القرعة إبعاد  منتخبي انجلترا والأرجنتين عن بعضها وعزلهما في مجموعتين مختلفتين، ولكن ذلك لم يمنع الشغب .. وبالفعل وصل الأمر لتبادل إطلاق النيران بين المشجعين  في أحد المدن الإسبانية .


وفي 1986 في مونديال ميكسيكو، وبعد أربع أعوام من انتهاء الحرب ، القدر يضع انجلترا والأرجنتين في مواجهة مباشرة في الربع النهائي .. انتهت  بانتصار الألبيسيليستي بهدفين لهدف، الأول بلمسة اليد شهيرة عرفت باسم "يد الرب" والثانية المراوغة الأعظم لماردونا وهدف القرن.


بعد المباراة جن جنون الصحف الإنجليزية بسبب مارادونا، ووصفته ولا تزال بأبشع الصفات والألقاب فهو بنظرهم "لص مخادع وقذر"، وطالبه بيتر شيلتون مراراً و تكراراً بالاعتذار عن هدفه الذي سجله بيده.


ليرد مارادونا على الأنكليز حول هدفه المثير للجدل :


"أعتقد أني فضلت هدفي الذي سجلته باليد على كل أهدافي ، كان ذلك نوعاً ما كالسرقة من محافظهم (يقصد بذلك الإنجليز).


كان ذلك كأننا هزمنا بلداً، ليس فريق كرة قدم رغم أننا قلنا قبل المباراة أن كرة القدم لا علاقة لها بحرب المالفيناس (الاسم الإسباني لجزر الفوكلاند)، كنا نعلم أنهم قتلوا الكثير من الأطفال الأرجنتينيين هناك، لقد قتلوهم كطيور صغيرة ، وهذا الهدف كان انتقامنا".


كأس العالم 1998 يلتقى الغريمان مجدداً في الدور الثاني ، لقاء لا يقل إثارة و سخونة عن سابقاته فقد كان الإنجليز يتحرقون للثأر من الأرجنتين، بينما كان المنتخب الأرجنتيني يسعى لتأكيد علو كعبه على منتخب الاسود الثلاثة ، كان لقاء الفريقين تاريخياً وحافلاً بالأحداث المثيرة فقد قرعت الصحافة في البلدين طبول الحرب خصوصاً الإنجليزية التي شحنت لاعبي منتخبها ضد منتخب التانغو، وطالبتهم بتحقيق الفوز. 


سجل مايكل أوين هدفاً جميلاً تغنى بروعته الإعلام الإنجليزي من مراوغة للاعبي الأرجنتين، وطرد ديفيد بيكهام بعد احتكاك مع دييغو سيميوني انتهى الوقت الأصلي للمباراة بالتعادل 2-2. أحتكم الطرفان لركلات الجزاء التي ابتسمت للأرجنتين بعد تألق الحارس كارلوس روا الذي تصدى لركلتي جزاء، واعتبر بطلاً في بلاده.


مباشرة بعد الإقصاء نصبت الصحف الإنجليزية أعواد المشانق لديفيد بيكهام الذي حملته مسؤولية الخروج من كأس العالم فقد وصفت صحيفة الديلي ميل المنتخب الإنجليزي بـ "10أسود و طفل غبي"


وكان لسيميوني نصيبه من سهام الانتقاد فقد شبهت الصحف الأنجليزية سقوطه بـ "طن من الحجارة تسقط على أرض الملعب"، واتهتمه بالتمثيل والتحايل على الحكم معتبرة أن منتخب الأرجنتين لطالما أعتمد على ما أسمته (الحركات المسرحية والخداع) وإستشهدت بهدف مارادونا في 1986.


كأس العالم 2002 


في دور المجموعات، بعدما تجرعت إنجلترا مرارة الإقصاء أمام الأرجنتين سابقاً إزداد الضغط على المنتخب الإنجليزي قبل مواجهته الحاسمة مع الأرجنتين بعد التعادل المخيب للآمال مع السويد في المباراة الأولى مما يعنى احتمال مواجهة الخروج مجدداً على يد منتخب الأرجنتين العدو اللدود. 

شهدت المباراة مصافحة دييغو سيميوني وديفيد بيكهام  هذا الأخير الذي سجل هدف المباراة الوحيد من ركلة جزاء بعد خطأ على مايكل أوين، والذي أشادت به الصحف الإنجليزية التي رمته بسهامها سابقاً فقد كتبت صحيفة التايمز: 


" دافيد أكثر إشراقاً من أي وقت مضى".


كفر بيكهام عن ذنبه بالنسبة للإنجليز، وأقامت صحفهم الأفراح بخروج العدو اللدود من الدور الأول وخسارته أمام منتخب الأسود الثلاثة فنشرت صوراً تسخر من لاعبي و مشجعي الأرجنتين، وعنونت صفحاتها باستفزاز واضح لمشاعر الأرجنتينيين بأغنية المغنية الشهيرة مادونا


"لا تبكي من أجلي يا أرجنتين".


من فيلم إيفيتا الذي تناول حياة زوجة رئيس الأرجنتين السابق خوان بيرون .


في سنة 2005 لعب الفريقان مباراة ودية في جنيف ، وفازت إنجلترا بنتيجة 3-2. فوز أسعد الجماهير والصحف الإنكليزية ، وشهد اللقاء تبادلاً للكمات في المدرجات، وأغاني حول جزر فوكلاند .


مباراة الأرجنتين وإنجلترا ليست عادية، فلهيب "الكلاسيكو" يطغى عليها ، تعتبر هذه المواجهة من أشرس العداوات في كرة القدم وتختلف عن العداوات التقليدية الأخرى لأنها عابرة للقارات و ليست بدول متجاورة .

إرسال تعليق

0 تعليقات